الْوَقْفُ صِنَاعَةٌ لِلْحَيَاة، وإِصْلَاٌح ٌللمُجْتَمَعَات

معهد أبي حنيفة النعماني

الْوَقْفُ صِنَاعَةٌ لِلْحَيَاة، وإِصْلَاٌح ٌللمُجْتَمَعَات

الْوَقْفُ صِنَاعَةٌ لِلْحَيَاة، وإِصْلَاٌح ٌللمُجْتَمَعَات

الحمد لله الّذي بنعمته تتمُّ الصّالحات، وأفضل الصّلاة وأتمُّ السَّلام على إمامِ الأنبياء، وخاتم المرسلين، سيّدنا ونبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمرحباً بكم أيّها الكرام، في وقف دار التّقوى، حيث نستظلّ وإياكم في ظلال الأجر الّذي لا ينقطع، والثّواب الّذي لا يفنى، وصولاً إلى الفوز بالسّعادة الأبدية في دار الخلد، وجنّة الرّحمن سبحانه وتعالى، فقد قرّر القرآن الكريم في ثناياه الربّانيّة، أنّ الإحسانَ يجعل الإنسانَ أكثرَ سعادةٍ في الدّنيا، وأنَّ إنفاق المال على الفقراء؛ يمنحُ الإنسانَ السَّعادة الخالدة،  فالإنسانُ لا يستطيعُ بعد الموتِ أخذَ ماله، ولكنَّه يستطيعُ أن يجعلَ مالَه شافعاً وظلّاً له، يستقبلُه إذا أنفقَهُ قبلَ رحيلِه، ومن جوهر السَّعادة البعدُ عن الخوف والحزن، وهذا ما يكون في إنفاق الأموال، قال الله تعالى:(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) }البقرة: 261-262{.
ولقد قرأ صحابةُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم هذه الآيات ومثيلاتها قراءة تدبّر وتأمّل، فعلموا الخير الّذي دعت إليه، وأثر الإنفاق في إصلاح مجتمعهم، وصناعة الرّيادة في حياتهم، فسابقوا إليه، وتنافسوا فيه، ففي بداية فجر الإسلام، كان الصّحابة يعانون من قلّة ذات اليد، وضيق العيش، ولما فتح الله عزّ وجلّ لهم خزائنَ الأرض، وأتتهم الأموال، كان همّهم منصرفاً إلى كيفيّة استثمارها في آخرتهم، فأنشؤوا دور العلم، وصروح الثّقافة، وحلقات التّربية والتّزكية، وجهَّز كثيرٌ منهم الجيوش، وأكثروا من الصّدقات، والعطف على الفقراء، وقضاء حوائج الأيتام، والقيام على الأرامل، وتطلّعت أنفسهم لعمل يجري به الثّواب بعد الموت، امتثالاً لما رواه سيّدنا أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ). رواه مسلم.
– وإنّ المتأمّل في تاريخ هذه الأمّة، ليجد أنّ العزّة والسّؤدد كان مصاحباً لها ما كان الوقفُ قائماً فيها، فعّالاً في مؤسساتها، بمنظومته الّتي شرعها الله تعالى، فقد ندب دينُ الإسلامِ إلى الوقف، في وقت لم تعرف فيه الجاهليَّة هذا النّظام الجديد،  وجعله قربة من القرب الَّتي يتقرَّب بها إليه؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ»] رواه ابن ماجه[.، وسنرى في الحلقة المقبلة صفحاتٍ مشرّفةً ومشرقةً من وقف الصّحابة رضي الله عنهم، فحتَّى ذلكم الحين أستودعكم الله تعالى الّذي لا تضيع ودائعه، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

No Comments

Post A Comment