فقه الوقف

أهمّية الوقف على البحث العلميّ

– إذا أردنا إيجاز بيان وغاية الوقف البحثي والعلمي؛ فهو أن يقرأ الإنسان ما يُحبّ ، في الوقت الذي يُحبّ ، على الأستاذ الذي يُحبّ، وهذا ما كانت عليه معظم الأوقاف الإسلاميَّة في المساجد والجامعات والحواضر العلميَّة.
فالوقف نظام إسلامي محض(1)، ونفعه عام(2)، يكاد يشمل كلّ مناحي الحياة ، وكلّ مخلوقات الله . فهو تطبيق عَمَلي للصَّدقة الجارية ، وصُور رائعة من صُور التّكافل الاجتماعي . وقد عرف المسلمون أنواعاً شتّى من الوقف ، يكاد البعض لا يُصدِّق وُجودها ، لإغراقها في أدقّ تفاصيل الحياة الاجتماعيَّة ، فقد كـان هنـاك وقــف للأواني المنكســرة ، والثياب المتَّسخة ، ووقفٌ للمرضعات ، ومُؤنسي المرضى ، وقائدي العميان ، ومُزوِّجي العرسان، ووقف لتطبيب الحيوانات وتمريضها، ووقف للخيول الهَرِمَة، ووقفٌ لرصف الطُّرُق وإنارتها، فضلاً عن الأوقاف المعروفة مثل: وقف المساجد والمصاحف والآبار والأسبِلة والحدائق والجسور والطُّرق والحمّامات ، وكذا وقف المكتبات والمدارس والمستشفيات، فلم يَدَعوا بذلك شيئاً ممّا فيه خدمة للنّاس إلاّ وكان للمسلمين فيها وقف. وسنرى

وأمامَ العجز المعاصر عن خدمة الاحتياجات الرَّاهنة للتَّقدُّم العلمي ، والعجز عن الاستمرار في الإنفاق على التَّعليم ” المجَّاني ” وخروج الجامعات من التَّصنيفات العالميَّة للجامعات ، تظهر الحاجة إلى ( الوقف على البحث العلمي ) وتمويل الجامعات ومراكز البحث، وكذا الباحثين ، من خلال الوقف ، بما يُحقّق للأمَّة اكتفــــاءها الــذَّاتي، ويعمـــل علــى تعـــزيز استقـــلاليَّتها، وحـــرِّيَّتها، وذلك عن طـــريق التَّـــوجُّه نحــــو الوقف على ( البحث العلمي) ذي التَّخصُّصــــات الحيويَّة التي تنفع الأمَّة ، وتشجيع المبادرات لتمويل التّعليم في الجامعات الحكوميَّة ، والتوسّع في الاستثمارات الوقفيَّة في المجالات التَّنمويَّة ، وفي مقدّمتها ( الجامعات ) ، لتحقيق جودة التَّعليم الذي يؤدّي إلى جودة الحياة في شتى جوانبها.
وسنتابع الكلام في هذا الموضوع في القاء المقبل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(1) – قال الإمام الشَّافعي : « لم يحبس أهل الجاهلية ، فيما علمت ، إنَّما حبس أهلُ الإسلام » ، انظر : الزّحيلي ، وهبة : الفقه الإسلامي وأدلَّته ، ( 10 / 291 ) . وهناك من قال إنَّ الوقف ظاهرة إنسانيَّة عرفتها البشريَّة قبل الإسلام ، ومنها أوقاف سيِّدنا إبراهيم الخليل ، التي وُصِفت بأنَّها إحدى أشهر الأوقاف التي عرِفت في مرحلة ما قبل الإسلام …
(2) – وهو مباح بدليل صحَّته من الكافر، كما يقول الحنفيَّة، انظر:(الدرّ المختار وردّ المحتار: 392 / 3، 399 – 401) نقلاً عن : الزّحيلي، وهبة: الفقه الإسلامي وأدلَّته، (10/ 294).

أهداف الوقف وغاياته وثماره في شريعتنا الغرّاء :
1- ابتغاء رضا الله تعالى بامتثال أمره بالتصدق والإنفاق باعتبار الوقف صدقة جارية وكذا امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- تفعيل باب من أبواب الخير، ونوع من أنواع البر المشار إليها بقوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى».
3- تقديم المعونة الصحية لمستحقيها من خلال المستوصفات ( البيمارستانات قديماً).
4- المساهمة في إعفاف الفقراء بالسعي إلى كفايتهم خصوصا ً أصحاب الاحتياجات الخاصة تحقيقا ً لمبدأ التكافل الاجتماعي.
5- الإنفاق على الثانويات والمعاهد الشرعية، ودور الأيتام ومدارسها بجعلها نواة للتميز في المجتمع.
6- جعل بيوت الله بمنهجيتها ونظامها منارات يهتدى بها حيث يؤمن لها الوقف حاجاتها من الأموال.
7- تنشيط الحركة العلمية، وقيام العلماء بالتأليف والترجمة ونشر الثقافة الإسلامية من خلال تأمين لهم ما يحتاجونه من نفقات ليتفرغوا لنشر العلم.
8- ضمان لبقاء أصل المال ودوام الانتفاع به.
9- وسيلة لتكفير الذنوب ومحوها، والحصول على الأجر والثواب في الآخرة.

لم يجعل الله تعالى الأنبياء ملائكة، بل بشراً يوحى إليهم، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويتزوجون وينجبون، حتى تكون حياتهم مشابهة لحياة الناس، قريبين منهم، يعايشونهم ويفهمون أحوالهم، ويرشدوهم إلى تطبيق الدين في واقعهم، فهل يعد من الواجبات على أهل العلم أن يكونوا على قدر كافٍ من القرب من الناس ومعايشتهم وفهم واقعهم؟…. لمتابعة القراءةِ؛ تتبَّع الرّابِط.
العنوان: فقه الواقع وأثره في الفتوى. (1).
غير خافٍ أنَّ عصرنا الراهن يشهد تطورًا ملحوظًا في جميع الجوانب العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها؛ مما يحتم على المجتهد معرفةَ الحكم الشرعي في النوازل المستجدة، ولا يتأتّى له ذلك إلا من خلال فقه الواقع فقهًا صحيحًا.
ولفقه الواقع أثر فَعّال في توجيه المجتمع الإسلامي توجيهًا سليمًا، وربطه بأحكام الشريعة الإسلامية، التي تعصمه من الانحراف والزلل، وتقيه خطر الانزلاق، والمروق عن الدين والخطل. لذلك كان لزامًا على المجتهد المستنبط للحكم الشرعي معرفةُ الواقع معرفةً صحيحةً، ومواكبتُه من جميع حيثياته؛ لأنه يُعين على استخراج الحكم الشرعي، وتنزيله على الوقائع المستجدَّة التي لا يوجد نصٌّ صريحٌ فيها.
فما مدى أهمية فقه الواقع، وما أبرز الأمور المعينة على فهمه؟ هذا ما تناقشه هذه المقالة بحول الله انطلاقًا مما يلي:
المقصود بفقه الواقع: تعددت عبارات أهل العلم في تعريف فقه الواقع، ومنها:

«فهم النوازل والمتغيرات ودراستها دراسة مستفيضة والاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية لها عبر منهج فقهي يجمع بين العلم بالشرع ومقاصده والمعرفة بالواقع ومستجداته».
كما أشير إلى أنه فقه: «واقعي مبني على دراسة الواقع المعيش دراسة دقيقة مستوعبة لكل جوانب الموضوع معتمدة على أصح المعلومات وأدق البيانات والإحصائيات».
ومن هذا يتضح أن فقه الواقع له جانبان:
معرفة واقع المستفتي وحاله، فلا يُفتى لشخص حتى يكون عند المفتي تصور لحال المستفتي وعلمٌ بواقعه.
معرفة واقع المجتمع وما فيه من أحداث ومستجدات وأمور مؤثرة على الفتوى.
إنَّ التعمُّق في دراسة الواقع وفهمه ومعرفته معرفةً تامّةً يثمر نضجًا في فهم الدين؛ ذلك أن تنزيل حكمٍ شرعيٍّ على واقعةٍ ما، لا يُمكن إلا بفهم ملابسات وظروف هذا الواقع.