09 أبريل الوقف في الإسلام بين المعاني والمشروعيّة
أوّلاً: معنى الوقف:
يُعرّف الوقف في اللّغة بأنّه: الحبس والمنع، ويقال: وقفت الدّابّة: إذا حبستها على مكانها(1)، وفي تعريف الفقهاء، الوقف هو: تحبيس الأصل وتسبيل الثّمرة)2).
ثانياً : المشروعيّة:
الأصل في مشروعيّة الوقف في الإسلام السنّة المطهّرة والإجماع في الجملة، جاء في حاشية الرّوض المربع: ( إنّه لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك)(3).
ولقد اتّفق جمهور العلماء على جواز الوقف وصحّته(4) بناءً على الأدّلة الآتية:
(أ) من القرآن الكريم:
حثَّ القرآن الكريم في آيات عدّة على فعل الخير والبرّ والإحسان إلى عموم المسلمين، وهو ما يرمي إليه الوقف، ومن ذلك قوله تعالى: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(5)، وقوله تعالى:{وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}(6). والوقف جزء أصيل من الإنفاق، لأنَّه بذلٌ في سبيل الله تعالى.
(ب) من السنّة النّبويّة:
ورد في العديد من الآثار القوليّة والفعليّة ما يؤكّد مشروعيّة الوقف في الفقه الإسلاميّ، ومن ذلك:
أوّلاً : حديث سيدنا ابن عمر رضي اللَّه عنهما الّذي يقول فيه: (( أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أصبت أرضاً، لم أصب مالاً قطّ أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها)، فتصدق بها عمر: على أن لا يبُاع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء والقربى، والرّقاب، وفي سبيل اللَّه، والضّيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متموّل فيه). (متّفق عليه)(7).
ثانياً : يدخل الوقف في حديث الرّسول صلى الله عليه وسلم:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(8)، وقال النووي عند شرح الحديث: إنّ الوقف هو الصّدقة الجارية، وفيه دليل لصحّة أصل الوقف وعظيم ثوابه.
ثالثاً: من الأدلة العمليّة: فعله عليه الصّلاة والسّلام في أموال مخيريق، وهي سبعة حوائط بالمدينة أوصى إن هو قتل يوم أحد فهي لسيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم: (يضعها حيث أراه اللَّه تعالى، وقد قتل يوم أحد وهو على يهوديته فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مخيريق خير يهود) وقبض النّبيّ صلى الله عليه وسلّم تلك الحوائط السبعة وجعلها أوقافاً بالمدينة للَّه وكانت أول وقف بالمدينة)(9).
رابعاً : وقف عمر رضي الله عنه، وبعد ذلك تتابع الصحابة رضوان اللَّه عليهم في الوقف حتى إن جابر رضي الله عنه يقول: (لم يكن أحد من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذا مقدرة إلا وقف). وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف، واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعاً.(10).
خامساً: للوقف أركان كسائر الالتزامات العقدية التي يبرمها الإنسان، فالأركان المادية هي: وجود شخص واقف، ومال يوقف، وجهة يوقف عليها، والركن الشرعي وهو العقد هو الإيجاب فقط من الواقف بإحدى صيغه الشرعيّة المعتبرة سواءً الصريحة منها أو الكناية إذا قرنت بقرينة تفيد معناه(11)، ومن المؤكد أن نظام الوقف في الإسلام بشكله الحالي يبقى خصوصية إسلامية لا يمكن مقارنته بصور البر في الحضارات أو الشعوب الأخرى، وهذا عائد إلى عدة أمور سيتم تناولها بالتفصيل في قادم اللّقاءات إن شاء الله تعالى، فحتَّى ذلكم الحين أستودعكم الله تعالى الّذي لا تضيع ودائعه، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
===================================================
((1 ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ، ج 9، ص359، وكذلك: إبراهيم مصطفى وزملاءه، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1989، ج2، ص1051، وكذلك: الجرجاني، كتاب التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1418هـ، ص328.
(2) ابن قدامة، المغني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1401هـ، ج5، ص597.
(3) عبد الرحمن بن قاسم، حاشية الروض المربع، 1403هـ، ج5، ص530.
(4) مصطفى الزرقا ، أحكام الأوقاف، دار عمار، عمان، 1418هـ، ص22.
(5) سورةآل عمران الآية: 92.
(6) سورة البقرة الآية: 272
(7) صحيح البخاري ج3، ص1019، صحيح مسلم بشرح النووي ج4، ص254.
(8) صحيح مسلم بشرح النووي ج4، ص254، (1631.(
(9) أبي الفداء إسماعيل بن كثير، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار الفكر، بيروت، 1410هـ، ج3، ص72، وكذلك: ابن حجر، فتح الباري، دار الريان للتراث، القاهرة، 1407هـ، ج6، ص234.
(10) المغني لابن قدامة ج6، ص599.
(11) مصطفى الزرقا أحكام الأوقاف ص38-41.
No Comments