28 أبريل شمول نظام الوقف جميع مجالات الخير، وثباته على ذلك
لقد اختصّ نظام الوقف الإسلاميّ أوّلاً بالشُّمول والاتّساع، وإنّ من يطالع ما كتبه الأئمة من فقهائنا رحمهم الله تعالى حول ا لوقف وأحكامه وغاياته، يرى الأبواب المتعددة، والمسائل ذوات العدد المتكاثرة، والأمور الدقيقة والتفصيلية التي تناولوها، مما يدل على شمول نظام الوقف واتّساعه؛ فهو يشمل الوقف الأهلي: الذي يوقفه المرء على نفسه وذريته وهكذا، كما يشمل الوقف الخيري: الذي يوقف على جهات البر والإحسان والمعروف، وتوجد أوقاف تجمع بينهما.
كما يتسع نظام الوقف ليشمل جميع أنواع ومجالات الخير؛ الدينية والدنيوية من مساجد ومكتبات ومدارس ومعاهد وجامعات ومستشفيات ومقابر ومؤسسات خيرية ومنازل وأربطة ومواقع خيرية، وثغور .. إلخ.
ولا يقتصر أداء نظام الوقف في الإسلام على المسلم وحده، بل توجد أوقاف عامة تشمل المسلم وغيره، كما وجدت أوقاف خصصت في القديم والحديث للإنفاق على غير المسلمين، وإصلاح معاشهم وإعانتهم، وتأليف قلوبهم ودعوتهم، وتعرض الفقهاء رحمهم الله تعالى لمسائل من ذلك، وخصصوا لها حيّزًا في كتبهم المتخصصة مما يدل على عناية الإسلام بغير المسلمين من جهة الوقف وأحكامه وتشريعاته)1)، ومن ذلك ما روي أن صفية بنت حيي رضي اللَّه عنها، زوج رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم وقفت على أخ لها يهودي(2).
كما اختصّ نظام الوقف الإسلاميّ بالثبات والاستمرار، وعدم الانقطاع، طالما بقيت العين الموقوفة نافعة، بل قد يزيد هذا الأجر بزيادة منفعة العين الموقوفة إذا أحسن القائمون على الوقف إدارته واستثماره وفق ظروف كل عصر يمر عليه، لأنه جزء من دين عظيم الثبات، والوقف الأصل فيه: طلب ثباته واستقراره ودوامه، فقد صحّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”(3).
والوقف أدوم الصدقات؛ لأن الأصل فيه البقاء، وهو تحبيس الأصل وبقاؤه مع تسبيل الثمرة والانتفاع بالغلّة، وما زال الفقهاء يُوصون القائمين على أمر الأوقاف بالمحافظة عليها حتى تدوم وتثبت وتستمر، ولا تنقطع.
واختلفوا في نقل الوقف من موضع إلى آخر أو تغييره بخير منه إذا احتيج إلى ذلك على أقوال مفصّلة في كتب الفقه، وعينهم ترقب بقاء ودوام ومنفعة الوقف أينما حلّ وكان(4)، وهذا يقودنا للحديث عن استقلال الوقف، وهو ما سنتكلّم عنه بالتّفصيل في قادم اللّقاءات إن شاء الله تعالى، فحتَّى ذلكم الحين أستودعكم الله تعالى الّذي لا تضيع ودائعه، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
=========================================
(1) انظر على سبيل المثال لا البسط ما كتبه العلامة برهان الدين إبراهيم بن موسى أبي بكر الطرابلسي الحنفي في كتابه الجليل (الإسعاف في أحكام الأوقاف). وابن تيمية في بعض فتاواه الواردة في مجموع الفتاوى بالمجلد الحادي والثلاثين منه..
(2) سنن البيهقى – (ج 2 / ص 190).وانظر عبد الوهاب أبو سليمان، الوقف مفهومه ومقاصده، ضمن أبحاث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة، 1420هـ، ص17.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي ج4، ص254، (1631.(
(4) انظر: المغني لابن قدامة (8/220 – 228)، ومجموع الفتاوى (31/216 – 220، 265 وما بعدها .
No Comments