الوقف الاستثماريُّ لدعم البحث العلميّ: (1)

الوقف الاستثماريُّ لدعم البحث العلميّ: (1)

– هل تناول الوقف في الإسلام البحث العلمي؟
وما هي المجالات العلميّة الّتي يمكن رعايتها من خلال الوقف؟
إن الوقف يعدُّ مفخرة من مفاخر الإسلام، حيث نشأ وتطور في ظل الحضارة الإسلامية، وقد عَرفت الأوقاف منذ عهد النبوة وعبر العصور الإسلامية نموّاً وتنوّعاً واتساعاً، فشمل كل ما يعتمد عليه الناس في معيشتهم وحاجاتهم الأساسية، ولم يقتصر على العناية بفئات المجتمع فحسب، بل وصل خيره وبره غير البشر من الدواب والطيور وغيرها مما لم يُعرف في حضارة سابقة أو معاصرة.
ومن قرأ تأريخ الوقف سيرى بوضوح أن الدول والحضارات ارتبطت بالوقف ارتباطاً وثيقاً من حيث النهضة والانحطاط والتقدم والقوة وضدها، وكم كانت الشعوب والأمم في اطمئنان اقتصادي واستقرار اجتماعي في ظلاله.
ومن هذه الأوقاف العلميّة، حيث كان الوقف على القرآن والحديث والمساجد والعلم، وما يتعلق به من إنشاء المدارس، والجامعات، والمكتبات، وصرف الرواتب على الطلبة والمعلمين: فقد كانت المساجد أول وقف في الإسلام، حيث بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء (أول وقف في الإسلام)، ثم بنى مسجده صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يتسابقون إلى إقامة المساجد والصرف عليها، والتأريخ يسجل بإعجاب كثرة الأموال التي أنفقها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك على بناء الجامع الأموي بدمشق مما لا يكاد يصدقه الإنسان لكثرتها[01].
ومما ذكر من مآثر نور الدين زنكي أنه بنى في بلاده مساجد كثيرة، ووقف عليها وعلى من يقرأ بها القرآن أوقافاً كثيرة، إذ يروي الأصفهاني أنّ نور الدين أمر بإحصاء ما في محال دمشـق من مساجد هجرت أو خربت، فأناف على مائة مسجد، فأمر بعمارتها وعيّن له أوقافاً دارّة.
أما أوقاف العلم فقد ذكر بعض المؤرخين أنها وجدت في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت من الكثرة بحيث عدَّ ابن حوقل ثلاثمائة كتّاب في مدينة واحدة من مدن صقلية[02].
وكان «الكُتَّاب» في بعض البلدان من السعة بحيث يضم مئاتٍ وآلافاً من الطلاب، ومما يروى عن أبي القاسم البلخي أنه كان له كتَّاب يتعلم به ثلاثة آلاف تلميذ، وكان كتّابه فسيحاً جداً، ولذلك كان أبو القاسم يحتاج إلى أن يركب حماراً ليتردد بين طلابه وليشرف على شؤونهم[03]، وكانت هذه الكتاتيب تمول بأموال الأوقاف.
===============================
[01] من روائع حضارتنا، لمصطفى السباعي، (ص 125).
[02] ينظر: معجم البلدان، لياقوت الحموي، 3/417 – 418؛ ومجلة الوعي الإسلامي، عدد (382)، ص 37.
[03] ينظر: معجم البلدان 1/479 -480؛ ومجلة الوعي الإسلامي عدد (382) ص 37.

No Comments

Post A Comment